JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل مُؤَسِّس الجيش العثماني

 



أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل

هو أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل مُؤَسِّس الجيش العثماني، ومُؤَسِّس جيش الانكشارية، ومُنهي نفوذ البيزنطيين في بلاد آسيا الصغرى، وفي عهده بدأت الفتوحات الإسلامية في الشرق الأوربي.

نشأة أورخان غازي
وُلِدَ أورخان عام (687هـ= 1288م) في السنة التي تولَّى أبوه فيها الحُكْم، وهو ثاني أبناء أبيه من حيث السنِّ، لكن يبدو أنه كان أكثرهم نباهة، وأشجعهم، فنال بذلك الملك.

نشأ أورخان في كنف أبيه السلطان عثمان الغازي مُؤَسِّس الدولة العثمانية؛ التي إليه تُنسب، وحرص أبوه على إعداده لتولِّي المسئولية ومهامِّ الحكام؛ فعهد إليه بقيادة الجيوش التي كان يُرسلها إلى حدود الدولة البيزنطية، وكان أورخان عسكريًّا من الطراز الأول.

السلطان أورخان
لم يكد أورخان ينجح في فتح مدينة بورصة حتى استدعاه والده؛ الذي كان في مرض الموت، وأوصى له بالحُكْم من بعده في (21 من رمضان 726هـ= 21 من أغسطس 1326م)، وترك له وصية سجَّلها المؤرخ العثماني عاشق الحلبي؛ جاء فيها: «يا بني؛ أحِطْ مَنْ أطاعك بالإعزاز، وأنعم على الجنود، لا يغرنَّك الشيطان بجهدك وبمالك، وإيَّاك أن تبتعد عن أهل الشريعة! يا بني؛ لسنا من هؤلاء الذين يُقيمون الحروب لشهوة حُكْم، أو سيطرة أفراد؛ فنحن بالإسلام نحيا، وللإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما أنت أهل له. يا بني؛ إنك تعلم أنَّ غايتنا هي إرضاء ربِّ العالمين، وأنه بالجهاد يعمُّ نور ديننا كلَّ الآفاق؛ فتَحْدُث مرضاة الله –عز وجل».

وعلى الرغم من أن أورخان لم يكن أكبر أبناء عثمان الغازي؛ فإن أخاه الأكبر علاء الدين لم يُعلن العصيان أو يُعارض وصية أبيه؛ بل إنه قدَّم الصالح العامَّ للدولة على الصالح الخاص له، وجعل نفسه في خدمة أهداف الدولة العليا، وقد عَيَّن أورخان أخاه علاء الدين في الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء)؛ فقام بتدبير الأمور الداخلية، على حين تفرَّغ أورخان للفتوحات العثمانية.
فتوحات أورخان غازي في الأناضول
كان أول عمل قام به أورخان هو أن نقل عاصمة دولته إلى مدينة بورصة؛ نظرًا لموقعها الاستراتيجي، وأرسل أورخان قُوَّاد جيوشه لفتح ما تبقَّى من بلاد آسيا الصغرى الخاضعة لنفوذ البيزنطيين؛ ففتحوا أهم مدنها، وفتح السلطان بنفسه مدينة «أزميد»؛ وهي مدينة يونانية قديمة بآسيا الصغرى، ولم يَبْقَ من المدن المهمَّة بتلك المنطقة سوى مدينة «أزنيك»؛ فحاصرها وضيَّق عليها الحصار حتى دخلها بعد سنتين، وانتهى بذلك نفوذ البيزنطيين في بلاد آسيا الصغرى.

اتَّبع أورخان في البلاد المفتوحة سياسة اللين والرفق؛ وهو ما جذب إليه قلوب الأهالي، حيث لم يُعارضهم في إقامة شعائر دينهم، وسمح لهم بحُرِّيَّة الحركة والتنقُّل ونحو ذلك.

وقد أدَّتْ هذه السياسية السمحة إلى أن الغالبية العظمى من الروم البيزنطيين -الذين كانوا يسكنون هذه المناطق- دخلوا الإسلام طوعًا، وأفتى الفقهاء -الذين كان السلاطين يستشيرونهم في كلِّ ما يتَّصل بتشريعات الدولة ونظمها- بأنَّ كلَّ مَنْ أسلم بأهله من السكان صار من أهل الدولة. وهذه الفتوى سَهَّلت على العثمانيين فتح إمارة «قرة سي» الواقعة على البحر سنة (736هـ= 1336م)؛ وبهذا سيطر الأتراك العثمانيون على الركن الشمالي الغربي لآسيا الصغرى.

تسامع الأتراك في شرقي آسيا بانتصارات بني عمومتهم؛ فتوافدوا عليهم ألوفًا، وانضمُّوا إلى جيوشهم، فتضاعفت أعداد الأتراك العثمانيين مرَّات كثيرة.

أورخان الغازي .. أعمال نظامية حضارية
أمضى أورخان -بعد استيلائه على إمارة قرة سي- عشرين سنة دون أن يقوم بأيِّ حروب؛ بل قضاها في صقل النظم المدنية والعسكرية التي أوجدتها الدولة، وفي تعزيز الأمن الداخلي، وبناء المساجد ورصد الأوقاف عليها، وإقامة المنشآت العامة الشاسعة؛ مما يشهد بعظمة أورخان وتقواه، وحكمته وبُعد نظره، فإنه لم يشنّ الحرب تلو الحرب طمعًا في التوسُّع؛ وإنما حرص على تعزيز سلطانه في الأراضي التي يُتاح له ضمُّها، وحرص على طبع كل أرض جديدة بطابع الدولة المدني والعسكري والتربوي والثقافي؛ وبذلك تُصبح جزءًا لا يتجزأ من أملاكهم؛ بحيث أصبحت أملاك الدولة في آسيا الصغرى متماثلة ومستقرَّة، وهذا يدلُّ على فَهْم واستيعاب أورخان لسُنَّة التدرُّج في بناء الدول وإقامة الحضارة، وإحياء الشعوب.

ولقد اهتمَّ أورخان بتوطيد أركان دولته وبالقيام بالأعمال الإصلاحية والعمرانية، وقد نَظَّم شئون الإدارة، وقوَّى الجيش، وبنى المساجد، وأنشأ المعاهد العلمية وأشرف عليها خيرة العلماء والمعلمون، وكانوا يحظَوْنَ بقدرٍ كبيرٍ من الاحترام في الدولة، وكانت كلُّ قرية بها مدارسها، وكلُّ مدينة بها كليتها التي تُعَلِّم النحو والتراكيب اللغوية، والمنطق وفقه اللغة، وعلم الإبداع اللغوي والبلاغة، والهندسة والفلك، وبالطبع تحفيظ القرآن وتدريس علومه، والسُّنَّة والفقه والعقائد.

تأسيس الجيش العثماني الإسلامي
كان من أهمِّ أعمال أورخان تأسيسه للجيش الإسلامي، وقد حرص على إدخال نظامٍ جديد للجيش وتطويره وتحديثه؛ حتى يُؤَدِّيَ دوره على أحسن وجه؛ فقام بتقسيم الجيش إلى وَحَدَات، كل وَحْدَة تتكوَّن من عَشَرَة أشخاص، أو مائة، أو ألف، وخَصَّصَ خُمُسَ الغنائم للإنفاق منها على الجيش، وجعله جيشًا دائمًا وليس استثنائيًّا؛ فقد كان قبل ذلك لا يجتمع إلَّا وقت الحرب، كما أنشأ كذلك مراكز خاصَّةً يتمُّ فيها تدريب الجيش والارتقاء بالجنود، وتعليمُهم مهارات القتال.

لقد احتلَّ الجيش مكانة بالغة الأهمية في حياة الدولة العثمانية؛ فهو أداةٌ للحُكْم والحرب معًا؛ إذ كانت الحكومة العثمانية جيشًا قبل أي شيء آخر، وكان كبار موظَّفي الدولة هم في الوقت نفسه قادة الجيش، ومن هنا جاء القول الشائع بأن الحكومة العثمانية والجيش العثماني وجهان لعملة واحدة.

لقد استطاع أورخان أن يُؤَسِّس جيشًا إسلاميًّا نظاميًّا دائم الاستعداد للجهاد، وقد كان هذا الجيش يتكوَّن من فرسان عشيرته، ومن مجاهدي النفير الذين كانوا يُسارعون لإجابة داعي الجهاد، ومن أمراء الروم وعساكرهم الذين دخل الإسلام في قلوبهم، وحَسُن إسلامهم.

وقد عمل أورخان كذلك على زيادة عدد جيشه الجديد بعد أن ازدادت تبعات الجهاد ومحاربة البيزنطيين، فاختار عددًا من شباب الأتراك، وعددًا من شباب البيزنطيين؛ الذين أسلموا وحَسُن إسلامهم، فضمَّهم إلى الجيش، واهتمَّ بهم اهتمامًا كبيرًا، وربَّاهم تربية إسلامية جهادية، ولم يلبث الجيش الجديد أن تزايد عدده، وأصبح يضمُّ الآلاف من المجاهدين في سبيل الله، وكانت راية الجيش الجديد من قماش أحمر وسطها هلال، وتحت الهلال صورة لسيف، أطلقوا عليه اسم ذي الفقار تيمُّنًا بسيف الإمام علي بن أبي طالب –رضي الله عنه.

إنشاء جيش الانكشارية
أنشأ أورخان فرقة الانكشارية بناءً على اقتراح من أحد قادة الجيش يدعى «قرة خليل»؛ وقد كان هؤلاء الجنود يُختارون في سنٍّ صغيرة من أبناء المسلمين الذين تَرَبَّوْا تربية صوفية جهادية، أو من الأولاد الذين أُسِروا في الحروب أوِ اشْتُرُوا بالمال.

وكان هؤلاء الصغار يُرَبَّون في معسكرات خاصَّة بهم؛ يتعلَّمُون اللغة والعادات والتقاليد التركية، ومبادئ الدين الإسلامي، وفي أثناء تعليمهم يُقَسَّمون إلى ثلاث مجموعات: الأولى تُعَدُّ للعمل في القصور السلطانية، والثانية تُعَدُّ لشغل الوظائف المدنية الكبرى في الدولة، والثالثة تُعَدُّ لتشكيل فرق المشاة في الجيش العثماني، ويُطلق على أفرادها الانكشارية؛ أي: الجنود الجدد، وكانت هذه المجموعة هي أكبر المجموعات الثلاث وأكثرها عددًا. وقد كانوا فرقة من المشاة المحترفين، وكانت لهم امتيازاتهم الخاصة، وقد تلَقَّوْا تدريبًا وتعليمًا خاصًّا؛ حتى أصبحوا من أهمِّ فرق الجيش العثماني، وكانوا يقومون بخدمة السلطان بغَيْرة وحماس.

وقد اكتسبت هذه الفرقة صفة الدوام والاستمرار في عهد السلطان مراد الأول بداية من سنة (761هـ= 1360م)، وكانت قبل ذلك تُسرَّح بمجرد الانتهاء من عملها.

وامتاز الجنود الانكشاريون بالشجاعة الفائقة، والصبر في القتال، والولاء التامِّ للسلطان العثماني باعتباره إمام المسلمين.

وقد ازدادت مكانة الانكشاريين في عهد السلطان محمد الفاتح؛ فقد جعل لقائدها حقَّ التقدُّم على بقية القوَّاد، فهو يتلقَّى أوامره من الصدر الأعظم، الذي جعل له السلطان القيادة العليا للجيش.

السلطان أورخان وعبور الشاطئ الأوربي
في سنة (756هـ= 1355م) استنجد الإمبراطور البيزنطي «جان باليولوج» بالسلطان أورخان؛ طالبًا الدعم والمساعدة لصدِّ غارات ملك الصرب «إستفان دوشان»، الذي أصبح يُهَدِّد القسطنطينية نفسها، فأجاب أورخان طلب الإمبراطور البيزنطي؛ فأرسلا لدوشان جيشًا كبيرًا، لكنَّ دوشان عاجلته المنيَّة قبل وصوله بجيوشه إلى القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية فتوقَّفت حملته، وتخلَّص البيزنطيون من تهديده، وفي الوقت نفسه عاد الجيش العثماني من حيث أتى دون قتال.

غير أن العثمانيين بعد عبورهم للشاطئ الأوربي تيقَّنُوا من حالة الضعف التي حَلَّت بالإمبراطورية البيزنطية؛ وحرص السلطان أورخان على تحقيق بشارة النبي –صلى الله عليه وسلم- في فتح القسطنطينية؛ ووضع خطة استراتيجية تستهدف محاصرة العاصمة البيزنطية من الغرب والشرق في آنٍ واحدٍ، ولتحقيق ذلك بدأ أورخان يُجَهِّز الكتائب لاجتياز البحر واحتلال بعض النقاط على الشاطئ الأوربي؛ لتكون مركزًا لأعمال العثمانيين في أوربا؛ فاجتاز سليمان باشا -أكبرُ أبناء السلطان أورخان- مضيقَ الدردنيل ليلًا مع أربعين رجلًا من فرسان الإسلام سنة (758هـ= 1357م) ولمَّا أدركوا الضفة الغربية، استولَوْا على الزوارق الرومية الراسية هناك، وعادوا بها إلى الضفة الشرقية؛ إذ لم يكن للعثمانيين أسطول حينذاك؛ حيث لا تزال دولتهم في بداية تأسيسها، وفي الضفة الشرقية أمر سليمان جنوده، أن يركبوا في الزوارق حيث تنقلهم إلى الشاطئ الأوربي؛ حيث فتحوا ميناء قلعة ترنب، وغاليبولي التي فيها قلعة (جنا قلعة) و(أبسالا) و(رودستو)، وكلها تقع على مضيق الدردنيل من الجنوب إلى الشمال، وبهذا خطا هذا السلطان خطوة كبيرة استفاد بها مَنْ جاء بعده في فتح القسطنطينية؛ ولذا يُعَدُّ أورخان أول سلطان عثماني يمتدُّ ملكه إلى داخل أوربا.

ويُعَدُّ دخول الأتراك العثمانيين إلى البلقان والقارة الأوربية من الوقائع التاريخية المهمَّة؛ حيث غيَّرَتْ وجه التاريخ الأوربي ومصير الدول الأوربية، وكان ذلك بداية لتقدُّمٍ عثمانيٍّ سريع في البلقان.

وفاة أورخان غازي
تُوُفِّيَ السلطان أورخان سنة (761هـ= 1360م) بعد حُكْم دام 38 سنة، وقد بلغت مساحة الأراضي العثمانية في هذا التاريخ 95000 كم2، وهي تُمَثِّل 6 أضعاف ما كانت عليه عند جلوس السلطان أورخان على كرسي الحُكْم
الاسمبريد إلكترونيرسالة