10 فبراير.. من العام 1258 ميلادية.. بيطلق "عثمان" صرخة الميلاد، وبيخرج للدنيا.. وبيحتفل به "ارطغرل".. والمغول بيعدوا من حدود الأناضول بمنتهى البساطة.. عشان يوصلوا إلي بغداد.. وبيتوقف التاريخ للحظات.. ويلتقط الريشة والمداد والصحف.. عشان يدون لنا حدث شديد الأهمية والخطورة.
سقوط بغداد.
نفس التاريخ ونفس اليوم. مش عارف هل ميلاد "عثمان" جد العثمانيين كان نحس مبين وللا إيه بالضبط.. مش عارف.. بس المصادفة العجيبة دي مسجلة تاريخيًا.. وفاضحة لنا أسطورة "أرطغرل قاهر المغول".. لأنه لو كان تصدى للمغول بالفعل.. مكانوش عرفوا يوصلوا بغداد من الأصل.
كان المغول قبل اكتساحهم بغداد قد أسقطوا الدولة الخوارزميَّة.. والخوارزميين دول أتراك برضه.. حكموا أجزاء كبيرة من آسيا الوسطى وغرب إيران.. أكتسحهم المغول في بساطة.. واكتسحوا في طريقهم فرق متطرفة كانت عصية على الدول وقتها.. زي "الحشاشين" أتباع "الحسن بن الصباح".
بيبعت "هولاكو" رسله إلى الخليفة العبَّاسي "أبو أحمد عبد الله المستعصم بالله ".. وكان الخليفة ده عازم على حرب المغول.. وطلب منه "هولاكو" آمرًا.. إنه يهدم حصون بغداد.. ويردم الخنادق المحفورة حولها.. لحد ما يوصلها برجاله!
يعني "وقعلي حصون مدينتك ودفاعاتها لحد ما أجيلك".
طبعا بيرفض "المستعصم".. لكن وزيره "مؤيد الدين بن العلقمي" بيخونه.. وبينفذ معظم الأوامر.. وبيصرف معظم رجال الجيش عن خط المواجهة.. بدون علم "المستعصم" اللي مكانش دريان باللي بيجرى حواليه.. ومبيفضلش في حراسة بغداد، وعلى خط المواجهة، إلا عشرة آلاف رجل.. بيكتسحهم المغول في بساطة.. وبيأسروا "المستعصم" وبيقتادوه إلى معسكر "هولاكو" مقيدًا.
وأمام "هولاكو" بيحذره "المستعصم" أنه من نسل النبي عليه الصلاة والسلام.. وإنه ما من أحد قتل رجالًا من نسل بيت النبوة.. ومست دماؤهم الأرض.. إلا ولحق به الموت والهزيمة.
والعجيب أن "هولاكو" صدّق قصة "المستعصم" رغم اختلاف الدين بينهما.. لكن كان عنده حلول مبتكرة.. وعليه.. أمر بلف "المستعصم" في سجادة من جلد البقر.. وضربه حتى الموت.. وبكده ماتمسش دماؤه الأرض.. وميتحققش الشرط!
تتساءل هنا في حيرة.. كان فين "أرطغرل" اللي المسلسل والمؤرخين الأتراك مطلعينه لنا حامي حمى الإسلام.. والمغول بيسقطوا بغداد ويقتلوا الخليفة؟ متلاقيش أي إجابة منطقية.
المهم أن "عثمان" كان اتولد كما آنفنا.. ووقتما كان المغول بيتقدموا كان بيكبر.. ووقتما كان "أرطغرل" ماسك إيد "عثمان" وبيعمله المشي تاتا.. تاتا.. وعمره سنتين.. كان المغول واقفين للجيش المصري وجهًا لوجه في "عين جالوت" على الحدود المصرية.
كان فين بطلكم "أرطغرل" وقتها؟ خد بالك سهل "عين جالوت" كان آخر محطة قبل "بيت المقدس".. يعني لو فاز المغول في المعركة دي.. كانوا اجتاحوا أولى القبلتين.
كان فين "ارطغرل" بطيخة بطلكم المغوار.. وبيعمل ايه بخلاف إنه بيقول لـ"عثمان الأول" وهو على حجره "ياتي عثمانة كميلة.. إنجغ!"...؟
المهم أنه مع اقتراب جيش "هولاكو" الهائل.. اللي فتح كل مدينة وثغر مر بيهم وأخضعوا وأذلوا وأهانوا شعوبها وحكامها.. حط مصر قصاد عينيه.. وكانت ساعتها مصر لسه متخلصة من الحملة الصليبية السادسة.. و تعبانة إقتصادياً وإجتماعيا وعسكرياً من الحملات المتكررة عليها.. وبعد الحملة السادسة.. بلا راحة.. بتيجي الحملة الصليبية السابعة.
وكان حاكم مصر "الملك الصالح نجم الدين أيوب".. قد لقى ربه بسبب المرض أثناء الحملة الصليبية السابعة بقيادة "لويس التاسع"، ملك فرنسا.. وشافت "شجرة الدر" زوجته، أنها لو أعلنت وفاته حتحطم معنويات الجنود.. فأبقت الأمر سرًا لحد ما بعد معركة المنصورة.. وانتهاء الحملة.. وكانت بتدير المعركة وترسم الخطط بداله.. وتفهّم القادة "فارس الدين أقطاي" زعيم المماليك البحرية بمصر.. و "المعز عز الدين أيبك" قائد المماليك البرية.. إنها تعليمات الملك الصالح "نجم الدين أيوب" نفسه.. لحد ما بيتحقق النصر.. وبيتهزم جيش الصليبيين وبيتأسر "لويس التاسع" ملك فرنسا نفسه.. ويودع عندنا سجين في "دار ابن لقمان" بمدينة المنصورة.. وساعتها فقط.. كشفت "شجرة الدر" الأمر.. وأعلنت وفاة "الصالح أيوب".
وقبيل مجيء المغول.. بيموت زوج "شجرة الدر" الجديد "المعز عز الدين أيبك".. وبتبقى مصر منهكة بشدة.. وجيشها فقدت معظمه.. وبلا موارد كافية لأي قتال آخر.. وبعدين بتلحق "شجرة الدر" بزوجها وتفيض روحها إلى خالقها.. فبتبقى مصر بلا حاكم فعليًا.
وكان في اللحظة دي المغول في الشام بالفعل.. بيحاول يتصدى لهم رجل اسمه "الظاهر ركن الدين بيبرس العلائي".. اللي احنا نعرفه باسم "الظاهر بيبرس".. لكن بيفشل، بسبب تعنت "الناصر يوسف" حاكم سوريا وأخطاؤه المروعة.. وبيقضوا على جيشه بالكامل.. فبينسحب إلى مصر ومعاه ثلاثة أو أربعة آلاف جندي فحسب.
وفي مصر بيلتقي "بيبرس" بـ"سيف الدين قطز".. اللي بيعتلي العرش سنة 1259 ميلادية.
مابيمرش كتير على المناسبة السعيدة دي.. لما بيجيله رسل المغول.. وكان للمغول طريقة مفزعة.. فكانوا بيقذفوا المدن قبل ما يبعتوا رسلهم.. برؤوس القتلي اللي رفضوا الاستسلام.. ويبعتوا جواسيسهم تنشر الفزع والذعر وروح الهزيمة بين الناس.. وبالفعل بينجح المغول في إصابة المصريين بالتوتر والقلق.. وبتدخل رسلهم على "قطز" في مقر الحكم.. تطالبه بالخضوع للخان المغولي.. وإما القتل أو الإبادة.
وبيكون رد "قطز" حاسم وقاطع.
في حركة من أبرع حركات الحرب النفسية في تاريخ العالم.. بيذبح رسل المغول جميعًا ويعلق رؤوسهم على بوابات القاهرة.
ولأول مرة في تاريخهم.. بيشعر المغول بالتوتر والقلق.
الرجل اللي يرتكب فعل زي دا لابد أنه واثق من النصر.. وبيمتلك قوة كاسحة.. محدش بيخاطر ويدخل معركة ضروس.. من غير ما يكون في قوة سانداه.. الحمار فقط هو من يتصور العكس.
وكانوا على حق.
"قطز" بالحركة دي بيبعث الاطمئنان في قلوب المصريين.. وبيدعو بعدها للجهاد المقدس ضد جيوش "هولاكو".. وبيستجيب له البسطاء وأهل مصر.. وبيكوّن جيش معقول.. بيتحرك به من منطقة الصالحية شرق مصر حتى سهل عين جالوت في فلسطين.
هولاكو اتقدم ناحية مصر بستمائة ألف جندي تتري.. فخرج له قطز بثمانين ألف.. هم كل اللي حيلته بعد الحملات الصليبية.. أربعين ألف جندي مصري مدرب وأربعين ألف من الشعب ومن الكتيبة الصغيرة.. اللي جت مصر مع "الظاهر بيبرس".
وكان "قطز" فاهم إن "هولاكو" مش من البلد و مش دارسها و معندوش قوات استطلاع.. بينما المصريين حافظين ارضهم شبر شبر.. وبيستغل دا ويشتغل عليه.
وفي فجر يوم الجمعة 3 سبتمبر، الموافق سنة 1260 ميلادية؛ ومع نفير الحرب وطبول المغول الرهيبة.. بيتقدم "الظاهر بيبرس" بعشرة آلاف جندي ويشتبك مع طلائع المغول.. وبعد ساعة من العجن والفرم.. بينسحب متظاهرًا بالهزيمة.
وكان "كتبغا" وزير هولاكو وقتها بيراقب الموقف واعتقد إن هي دي كل قوات المصريين، وقرر يخلص المعركة بسرعة ويفوز بتفاحة الشرق و الدرة الكبرى؛ مصر، ويسيطروا بقى على كل الشرق الأوسط ..مع تبعات هزيمة مصدر حمايته وثقافته.. فراح "كتبغا" مطارد قوات "بيبرس" بكل الجيش بتاعه تقريبا ما عدا 20 الف جندي.
لما وصلوا إتضح إن "بيبرس" بيقودهم لكمين محكم للغاية في تلال منطقة "عين جالوت".. وخرج لهم "قطز" بالجيش الرئيسي.. ورغم المفاجأة.. إلا إن جيش "قطز" كان في ضغط شديد علي ميسرته.. وبدأت الجنود تتخاذل وتتفكك تشكيلاتها، وبدا أن النصر حيكون للمغول.. وحيتهزم المصريين وتسقط درة الشرق.
وكان "قطز" له استراتيجية مميزة للغاية في القتال.
"ألف هزيمة لن تضيف جديدًا.. لكن نصر واحد قد يغير مصير العالم".
بالفعل لو اتهزم ألف مرة زي ما يتهزم مرة.. كده كده حيقتلوه وتسقط مصر.. بس لو انتصر.. تبقى مصر أنقذت العالم من المغول.
ولأنه ليس لديه ما يخسره.. رفع "قطز" خوذته ورماها في الهواء وأطلق ندائه الشهير "واإسلاماه".. اللي أشعل حماس الجنود.. وهجم بنفسه مع الجنود و أمّن الميسرة.
حرب وجود هائلة ضروس.. بين جراد تتري قذر أباد كل مدينة دخلها.. وقوم بيدافعوا عن العالم أجمع.. في بقعة صغيرة من الأرض في منطقة اسمها "عين جالوت".
واستمرت المعركة الرهيبة من الفجر لصلاة العصر.. وانتهت بهزيمة ساحقة للتتار و أسر "كتبغا" نفسه، و إرساله مربوط مقيد إلي القاهرة مع رسالة للأمير "جمال الدين أقوش" اللي عينه "قطز" على القاهرة قبل رحيله للميدان.. ونفذ الأمير "جمال الدين" أوامر قطز اللي في الرسالة وأعدم "كتبغا" في قلب القاهرة.
وبتنتهي أسطورة المغول.. بينما "أرطغرل" حامي حمى الإسلام والكوكب والمجرات المجاورة.. بيغير حفاضات "عثمان".. ويحضر له البزازة.
بالمناسبة آخر حروب الجيش المصري مع المغول كانت في تركيا.. معركة الأبلستين أو "البستان" جنوب الاناضول وتحديداً في محافظة مرعش.. وأبدناهم كلهم تقريبًا.. يعني المعركة كانت دايرة على أرض "أرطغرل" نفسها.. وهو في الكنافة.
همّ "ارطغرل" الأكبر في الحقيقة.. كان أن "عثمان" يبقى نضيف ويتعلم مايطلعش زيه.. "أرطغرل" قرر يمحو كل ماضيه الأسود في ابنه.. فعلمه الرمي بالسهم.. وحاول يجعل منه الفارس اللي ماعرفش يكونه في حياته.
بالفعل بينجح "أرطغرل".. وبينجح في أنه يخلي "عثمان" رامي ممتاز.. بيضرب بالقوس والسهم كويس.. زي السهم اللي حيقتل به "عثمان" عمه.. عشان يتولى الحكم مكانه.
وبدايات "عثمان" قبل اللحظة دي.. تستحق عندها وقفة.. نشوف بيها مدى وضاعة تاريخ الرجل ده.
لكن القصة دي الحديث عنها يطول.. فنكمل كلامنا عنها لاحقًا.
ويبقى كالمعتاد.. لحديثنا بقية بإذن الله.